«اعترافات قاتل اقتصادي».. كتاب يكشف أسرار الهيمنة الأمريكية على الأسواق الناشئة

اتفاق المعادن مع أوكرانيا أحدث الأدلة

«اعترافات قاتل اقتصادي».. كتاب يكشف أسرار الهيمنة الأمريكية على الأسواق الناشئة
الكاتب والخبير الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز

اعتبر الكاتب والخبير الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز، في مقابلة نشرتها وكالة أنباء “شينخوا”، اليوم الاثنين، أن الاتفاق المحتمل بشأن المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا يُعد نموذجًا حديثًا لاستمرار استراتيجية "الاصطياد الاقتصادي" التي تتبعها واشنطن منذ عقود.

وكان بيركنز قد نشر كتابه الشهير "اعترافات قاتل اقتصادي"، في عام 2004، وهو عمل شبه سيرة ذاتية يكشف فيه النقاب عن ممارسات سرية استخدمتها الولايات المتحدة للهيمنة على الأسواق الناشئة.

تطرق الكتاب إلى وجود مجموعة من الأشخاص الذين يعملون خلف الكواليس تحت ستار اقتصاديين، أو مصرفيين، أو مستشارين ماليين، لكنهم في الواقع مكلفون بمهمة واحدة: دفع الدول النامية إلى فخ الديون واستغلال ثرواتها لصالح الولايات المتحدة.

وصف بيركنز هؤلاء الأشخاص بـ"القتلة الاقتصاديين"، موضحًا أنهم يعتمدون على وسائل مثل تزوير التقارير المالية، والتلاعب بالانتخابات، وتقديم الرِشى، والابتزاز، وحتى الاغتيالات السياسية لتحقيق أهدافهم.

لم يكتفِ بيركنز بالكشف عن هذه الممارسات، بل تحدث أيضًا عن دوره الشخصي في تنفيذ هذه الاستراتيجيات خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كان يعمل كخبير اقتصادي لدى شركة "تشارلز تي. ماين"، وهي إحدى الشركات التي أدت دورًا رئيسيًا في تنفيذ هذه المخططات لصالح الحكومة الأمريكية.

اتفاق الولايات المتحدة وأوكرانيا

أكد بيركنز أن الاتفاق المحتمل بشأن المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا يُعد نموذجًا حديثًا لاستمرار هذا النهج، ولفت إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض سيطرتها الاقتصادية على أوكرانيا من خلال الاستحواذ على مواردها المعدنية، مشيرًا إلى أن هذه التحركات تتماشى مع النهج الأمريكي المتبع تجاه الأسواق الناشئة.

وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى اهتمامًا خاصًا بالسيطرة على الموارد الأوكرانية، مؤكدًا أن هذه المحاولات ليست جديدة، بل تُعَد امتدادًا لاستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى ضمان تفوق الولايات المتحدة اقتصاديًا وسياسيًا على الدول الأخرى.

وأشار بيركنز إلى أن المشادة الكلامية التي وقعت بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة الولايات المتحدة خلال زيارته إلى البيت الأبيض في فبراير الماضي كانت بمثابة "لعبة قوة" تهدف إلى تأكيد نفوذ واشنطن على أوكرانيا وإجبارها على الامتثال لشروطها الاقتصادية.

استخدام الديون كسلاح؟

كشف بيركنز عن أن "القتلة الاقتصاديين" يعتمدون في المقام الأول على استخدام الديون كوسيلة للسيطرة على الدول النامية، وأوضح أن هذه العملية تبدأ بإغراء الحكومات بالحصول على قروض ضخمة من مؤسسات مالية كالبنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث تُقدَّم هذه القروض تحت ذريعة تمويل مشاريع تنموية كبرى.

لكن في الواقع، تُستخدم هذه الأموال لضمان منح العقود للشركات الأمريكية، بينما تُترك الدول المقترضة غارقة في التزامات مالية ضخمة تجعلها غير قادرة على تحقيق الاستقلال الاقتصادي. 

وأشار بيركنز إلى أن هذه الدول تُجبر لاحقًا على تقليص إنفاقها على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، في محاولة منها لسداد فوائد القروض، ما يؤدي بها إلى الدخول في دوامة من الأزمات المالية المستمرة.

وأضاف أن الولايات المتحدة تستغل هذا الوضع لفرض مطالب سياسية واقتصادية على الدول المتضررة، مثل إجبارها على استضافة قواعد عسكرية أمريكية، أو دعم قرارات واشنطن في الأمم المتحدة، أو بيع مواردها الاستراتيجية بأسعار زهيدة لصالح الشركات الأمريكية.

"بنات آوى"

أكد بيركنز أن "القتلة الاقتصاديين" ليسوا الأداة الوحيدة التي تستخدمها الولايات المتحدة للسيطرة على الأسواق الناشئة، فعندما تفشل هذه الاستراتيجيات في تحقيق أهدافها، تلجأ واشنطن إلى استخدام عملاء يُعرفون باسم "بنات آوى".

أوضح بيركنز أن هؤلاء العملاء مكلفون بتنفيذ عمليات أكثر قسوة، مثل تدبير الانقلابات السياسية، أو اغتيال القادة الذين يرفضون الانصياع للمصالح الأمريكية، وأشار إلى أن هذه الممارسات تم تنفيذها في العديد من الدول، حيث تم إسقاط حكومات بكاملها لمجرد أنها رفضت التوقيع على اتفاقيات اقتصادية تخدم الولايات المتحدة.

وأضاف أن هذه العمليات غالبًا ما تُنفذ بسرية تامة، حيث يتم الترويج لها على أنها "ثورات شعبية" أو "تحركات داخلية"، في حين أنها في الواقع تكون نتيجة لعمليات مدبرة من قبل أجهزة استخباراتية وعملاء مدربين. 

صناديق “النسور”

لفت بيركنز الانتباه إلى الدور الذي تلعبه "صناديق النسور" الأمريكية في استغلال الدول التي تعاني من أزمات مالية، وأوضح أن هذه الصناديق الاستثمارية تقوم بشراء السندات المتعثرة بأسعار زهيدة، ثم تلجأ إلى رفع دعاوى قضائية ضد الحكومات المدينة للحصول على أرباح ضخمة.

وأشار إلى أن هذه الصناديق يُطلق عليها تسمية "النسور" نظرًا لطبيعة عملها التي تشبه الطيور الجارحة التي تقتات على الجيف، وأكد أن هذه الاستراتيجية تُفاقم الأوضاع الاقتصادية في الدول النامية، حيث تُجبرها على دفع مبالغ ضخمة لمستثمرين لا يسعون سوى لتحقيق الأرباح على حساب معاناة الشعوب.

واختتم بيركنز حديثه قائلاً: "للأسف، لا تزال هذه الصناديق تعمل في جميع أنحاء العالم، وتسبب أضرارًا جسيمة للاقتصادات الناشئة.. إنها مفترسة للغاية، ولا تتردد في استغلال أي فرصة لتحقيق أرباح ضخمة، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار الدول ومصير شعوبها".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية